بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإمام الخوئي
الإمام الخوئي: مرجعية الانفتاح على التغيير
1317-1414هـ
ولادته وهجرته إلى النجف:أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي، أحد علماء الإمامية، ولد في بلدة (خوي) من بلاد أذربيجان بإيران ليلة 15 من شهر رجب سنة 1317هـ، وتعلم فيها القراءة والكتابة وبعض المبادئ الإسلامية.
هاجر مع عائلته إلى النجف الأشرف سنة 1330هـ، وابتدأ فور وصوله إليها بدراسة المنطق والأدب، ثُمَّ الكتب الدراسية في الفقه والأصول، على عدد من أعلامها، منهم والده السيِّد علي أكبر.
انتقل بعد ذلك إلى حضور دروس البحث الخارج، فحضر دروس خمسة من أكابر علماء النجف الأشرف آنذاك، وكان آخر من لازم منهم الشيخ محمَّد حسين النائيني، حتى نال درجة الاجتهاد، وهو في مرحلة مبكرة من عمره.
دخل السيد الخوئي ميدان التدريس في مرحلة مبكرة من عمره، وقد بلغ من النبوغ حداً جعله يكتب تقريراً لأبحاث الشيخ النائيني ويحصل على تقويم جيد من أستاذه، وقد فضَّله البعض على التقريرات الأخرى.
مرجعيتهآلت إليه مرجعية الطائفة الشيعية في العالـم بعد وفاة السيِّد الحكيم سنة 1390هـ، وأصبح المرجع الأعلى في التقليد، يقلِّده ملايين المؤمنين من أتباع مذهب الإمامية في مختلف بقاع العالم، وطبعت رسائله العملية لبيان الأحكام الشرعية لمقلّديه وبعدة لغات.
منهجه العلمي
يمتاز سماحة الإمام الخوئي (قده) بمنهج علمي متميز، وأسلوب خاص به في البحث والتدريس، ذلك أنه كان يطرح في أبحاثه الفقهية والأصولية العليا موضوعاً، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلاً دليلاً، وما إن يوشك الطالب على الوصول إلى قناعة خاصة، حتى يعود الإمام فيقيم الأدلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الأدلة، ويبين مدى قدرتها على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الاستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للأفكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث، ولذا فقد عرف بعالم الأصول والمجدّد.
ولا تقتصر أبحاثه وتحقيقاته على حقلي الأصول والفقه، بل كان له إسهام هام في علم الرجال أو(الجرح والتعديل)، وقد شيّد صرحاً علمياً قويماً لهذا العلم ومدخليته في استنباط المسائل الإسلامية، جمعها في كتابه الشهير "معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة"، كما بذل جهداً كبيراً في التفسير وعلوم القرآن وضعها في مقدمة تفسيره " البيان في تفسير القرآن"، وغيرها من الحقول العلمية.
ولهذا، فقد جمع من حوله طيلة فترة تدريسه أعداداً كبيرة من طلبة العلوم الدينية والأساتذة اللامعين، ممّن ينتمون إلى بلدان العالم المختلفة، فكان هناك طلاب من سوريا ولبنان والأحساء والقطيف والبحرين والكويت وإيران وباكستان والهند وأفغانستان ودول شرق آسيا وأفريقيا، مضافاً إلى الطلبة العراقيين، وتخرّج على يديه من هؤلاء الكثير من الفقهاء والمجتهدين، حتى وصف بأنه أستاذ الفقهاء والمجتهدين، ولم يكتف سماحة الإمام بتغذيتهم علمياً وثقافياً، ورعايتهم روحياً، بل امتد ذلك ليشمل تغطية نفقاتهم المعيشية من الحقوق الشرعية التي كانت تصل إليه. وهكذا فقد أسس سماحته مدرسة فكرية خاصة به ذات معالم واضحة في علوم الفقه والتفسير والفلسفة الإسلامية والبلاغة وأصول الفقه والحديث.
انفتاح على التجديد والتغييركان السيد الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ رجلاً منفتحاً على التجديد، فكان أول مرجع يخطِّط لدرس تفسير القرآن في النجف، باعتبارها كانت تفتقر في برامجها إلى تفسير القرآن، بل تأخذ من القرآن بمقدار ما يتَّصل بالشريعة، وإذا ما وجدت بعض الاهتمامات فكانت تخضع لتوجهات الطالب الشخصية، وربما كان سبقه إلى ذلك أستاذه الشيخ محمد جواد البلاغي الذي كان يتولى تدريس تفسير القرآن في النجف، ولكن هذا التفسير ـ تفسير الخوئي ـ قُطع لأنه لم يلق إقبالاً كاملاً في الحوزة بالطريقة التي كان فيها الإقبال على تدريس الفقه والأصول(...).
وكان السيد الخوئي منفتحاً على التغيير، فانفتح على قضايا أمته، وساهم في حركتها بما تسمح له الظروف، فأيّد حركة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كان من أبرز تلامذته، وأبدى له كل مودة واحترام، كما إنه تجاوب مع الانطلاقة الإسلامية لمواجهة المدّ الشيوعي، فأيد جماعة العلماء في النجف الأشرف، وغيرها من الاتجاهات.
تعرَّضت المرجعية الدينية في النجف الأشرف خلال مرجعية الإمام السيد "أبو القاسم الموسوي الخوئي" إلى أقسى الحملات، وعاشت ظروفاً قاهرة، وذلك بالتزامن مع حكم جائر في العراق جعل من الشيعة والتشيع هدفا لطغيانه وإرهابه، خصوصاً بعد الثورة الإسلامية في إيران، ما جعل مهمة الإمام الخوئي صعبةً للغاية، وتكاد تنحصر في المحافظة على دور الحوزة واستقلالها، لمتابعة مهامّها العلمية والفقهية، واستمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف، التي تضم مرقد أمير المؤمنين الإمام على بن أبي طالب(ع)، وتحتضن الحوزة الدينية ومعاهدها العلمية.
حاولت السلطة العراقية أن تنحاز بالمرجعية إلى جانبها في مواقفها، وخصوصاً في حروبها الظالمة مع الجيران، وطالبت الإمام بإصدار فتوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعندما رفض ذلك، قامت السلطات العراقية بالاعتداء على منـزل نجله الأكبر المغفور له السيد جمال الدين في محاولة لقتله عام 1979م، والذي اضطر من جرائها مغادرة العراق إلى سوريا، حيث توفي بعدها في إيران عام 1984م.
كما قامت السلطات بحملة ترويعية واسعة النطاق في صفوف العلماء وتلامذة الإمام في الحوزة العلمية، فاعتقلت مجموعات كبيرة منهم، وأعدمت الكثيرين منهم، وفي مقدمتهم تلميذ الإمام وابنه البار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وفي عام 1980م، قامت السلطات بتفجير سيارة الإمام الخاصة وهو في طريقه إلي جامع الخضراء لأداء صلاة الظهر، وقد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة.
تحياتي